قصة صحابي (2)

1:44 م نورة آل عصفور 0 Comments



السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

ماذا تعرفون عن قصة سراقة وهجرة الرسول –عليه الصلاة والسلام- إلى المدينة؟
قرأت هذا الوصف الجميل العميق لهذه الحادثة من كتاب "سيد رجال التاريخ - علي الطنطاوي، جمع وترتيب حفيده: مجاهد"




قال: هل لك يا سُراقة في مئة من الإبل؟

قال سُراقة: ما أحوجني إلى عشرين! فكيف السبيل إلى مئة؟

قال: ترد على قريشٍ صاحبهـا، فقد سار مهاجرًا إلى المدينة، فبثّت قريشٌ عيونها في سبُل مكة وشعابهَـا، فما وقعوا له على أثر. فأذّنت قريش في العرب: أن من رد علينا محمدًا فله مئة من الإبل. فهل لك أن نلحَق بمن أُرسِل، فنردهم إلى مكة ونأخذ مئة الناقة فنقتسها بيننا؟

فرقص قلب سراقة فرحًا ولعب به الطمع. وكان سراقة بن مالك الجعشمي رجلًا متشيطنًا، فعقد النية على أن يستأثر وحده بالغنيمة، فقال لصاحبه: ما هؤلاء من تريد؛ هؤلاء بنو فلان ينشدون ضالة لهم.
فصدق الرجل وانصرف. وذهب سراقة فجلس في مجلس قومه كما كان يجلس كل عشية، وما وعى من أحاديث القوم شيئًا، وإنما كان يخيّل إليه أنه يرى قطارًا طويلًا من الإبل يمر أمامه، فيخفق لمرآه قلبه.. ثم طمى به الطمع، فبرح المجلس إلى بيته، يفكر في مئة الناقة: أيملكها حتى تكون طوع أمره؟ أم هو لا ينالها ولا يفيد سفره إلا طول التعب؟

ولما أضناه التردد أزمع أن يستفتي الحظ ويهتدي بالمصافة؛ فأخرج أزلامه فحاول أن يشتفّ الغيب من خلالها: "إن خرج الزلم الذي أكره لم تكن الناقة لي، وإن خرج الزلم الذي أحب كانت لي."

وضرب بيده فخرج الزلم الذي يكره، فتألم واشتدّ ذلك عليه. فكررها ثلاثًا وفي كل مرة يخرج الزلم الذي يكره. فألقى الأزلام حنقًا وأمر غلامه أن يسرج فرسه ويقوده إلى بطن الوادي!

وتريّث سراقة، حتى إذا تصرّم الليل أسحَر سالكًا طريق المدينة، فسار فيه إلى الصباح فلم يقع من القوم على أثر. وكان ينهره الطمع فيعدو فرسه عدوًا شديدًا، ثم يدركه القنوط فيدع الفرس يمشي متباطئًا متخاذلًا...

حتى إذا بل منه التعب واليأس نظر، فإذا محمد وصاحبه، فصاح في الفرس فانطلق نحوهما كالسهم المرسل!

قال أبو بكر -رضي الله عنه-: ... فقلت:" هذا الطلب قد لحقنا يا رسول الله"، وبكيت. فقال: "وما يبكيك؟". قلت: "ماوالله على نفسي أبكي، ولكن أبكي عليك". فدعا عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وقال: "اللهم اكفناه بما شئت".  فساخت فرسه في الأرض إلى بطنها...

فلما رأى سراقة ما رأى، أبرأه الفزع من داء الطمع، وصاح: يا محمد! قد علمت أن هذا عملك، فادع الله أن ينجيني مما أنا فيه، فوالله لأعمينّ على من ورائي من الطلب.

فدعا له الرسول -عليه الصلاة و السلام- فأنقذه الله... وكلّمه فكان من قوله له: كيف بك يا سراقة إذا لبست سوارَي كسرى؟





- ماذا؟ أيعدني محمد سوارَي كسرى، كسرى شاهنشاه ملك الملوك؟!... وهو يقطع الصحراء هاربًا من قومه، مختفيًا في غار ليس معه إلا رجل واحد. أتنتصر هذه الصحراء على ملك كسرى وجنانه وأنهاره؟ أيغلب هذان المهاجران كسرى على خزائنه وجنوده وبلاده؟

أما إن قريشًا كانت أدرى بصاحبها حين قالت عنه ما قالت؛ فما أراه يعجبه أن ينجو من قريش ويفلت من أذاها حتى تكون له ملك كسرى! إنه والله ما يريد إلا أن يتركنا -نحن أيضًا- مجانين!





ومرت السنون.

وكان يومٌ صائف متوقد، ففّر سراقة من حره إلى حائط له، فما استقر فيه حتى سمع مناديًا ينادي: يا سراقة بن مالك الجعشمي، يا سراقة...

فصاح أن لبيك، وانطلق يؤمّ الصوت، فإذا رسول عمر يدعوه أن أجِب أمير المؤمنين، وإذا بين يديه تاج كسرى ومِنطَقَته.

قال عمر: هلّم يا سراقة. أتذكر خبر الغار وسوارَي كسرى شاهنشاه ملك الملوك؟

قال: نعم.

قال: قد أذهب الله بالإسلام ملك كسرى؛ فلا كسرى بعد اليوم... هاتِ يديك.

فألبسه السوارين وقال: ارفعهما فقل: الله أكبر، الحمد لله الذي سلبهما كسرى بن هرمز، وألبسهما سراقة بن مالك، أعرابيًّا من بني مُدلج.

_تمّت





يا سراقة، لقد كان ملك كسرى وقيصر كبيرًا قويًا، ولكن الله مع الذين آمنوا، والله أقوى... والله أكبر! * علي الطنطاوي

قد يقول البعض وما نستفيد من حادث عابر، مـرّ وانتهى؟
لا! اقرأ ما بين السطور تأمل خيرة الله حين قدّر لسراقة أن يذهب وحده للصحراء فيجد الضالة -هو وحدة هو بالذات دون غيره!-
فيطير قلبه فرحًا... ولكن؛ أراد الله له خيرًا أفضل وأعظم من مئة الناقة!
أعطاه الله ملك كسرى، كسرى أعظم ملوك زمانه...
وتأمل: هل جاءه ملك كسرى في يوم وليلة؟ اسبوع؟ شهر؟ لا؛ جاءه في زمن عمر بن الخطاب!


لا تستعجل رزقك، وثق بأن الله سيعطيك... ويرضيك :")


إن رأيتنِي على خطأ فنبهنِي هُنـا: http://sayat.me/nora1m

0 التعليقات: